الجماهير العمياء

أنهي الحاج عبد الله دوامه مبكراً علي غير العادة ، وتسابقت خطواته بأتجاه المنزل ، فالساعة كانت تشير الي الرابعة عصراً مما يعني تبقي أقل من ثلاث ساعات علي إنطلاق الأستديو التحليلي للمعركة التي ينتظرها بفارق الصبر ، لاحظت عيناه الشوارع وقد تلونت باللونين الأحمر والأزرق ، والسيارات التي رفعت الأعلام كل حسب ميوله وهواه ، والمارة الذين تنطق أعينهم بالترقب.
وصل الحاج عبد الله إلي منزله وأدخل يده في جيبه من أجل إخراج مفتاحه فسمع من يناديه من بعيد ، إلتفت الحاج عبد الله فوجد أن جاره الرائد عبد الرحمن هو من ناداه ، إبتسم الحاج عبد الله وبادل جاره التحيه وهم بالدخول ولكن عبد الرحمن باغته بالسؤال: " أها الكورة دي كيف الليلة ، والله شكلكم مضروبين مضروبين " تمتم الحاج عبد الله بكلام غير مفهوم قبل أن تظهر علامات الغضب علي وجهه وهو يصرخ " والله إلا كان في أحلامكم " ودلف إلى منزله بسرعة ".
إنصرف الرائد وهو يطلق الضحكات العالية فهو كان يتوقع مثل هذا الرد وكان دوماً يحلو له أن يداعب جاره بمثل هذه العبارات عشية المباريات المهمة ، فحب الحاج عبد الله لفريقه لا يفوقه إلا حبه لأولاده ويتحول إلى شخص أخر أيام المباريات.
ولكن هل تظنون أن الحاج عبد الله كان سيكون له نفس رد الفعل لو كان الحديث عن المنتخب الوطني !!؟ ، لا أظن علي الأطلاق ، فالكرة السودانية أصيبت بسرطان غريب لا يصيب اللأعبين ولا الأدارة ولا المدربين ولكنه يصيب الجماهير التي بليت بتعصب متطرف لناديي القمة وأضحي الكل منقسمون بين اللونين الأحمر والأزرق ، تعصب يصل إلى درجة إهمال الأهل والأصدقاء والجري وراء النادي ، تعصب وصل إلى أن تتمني جماهير فريق للأخر الهزيمة عندما يمثل السودان خارجياً ، بالرغم من أنه يلعب بأسم السودان ولكن يهون عليهم إسم الوطن في سبيل إهانة جماهير الفريق الأخر.
وفي نفس الوقت أضحي المنتخب القومي الذي يمثلنا ويمثل هويتنا يتيما ، ولا يكترث أحد لنتائجة . أحزنتي كثيراً بالأمس المدرجات الفارغة أثناء مبارة المنتخب القومي ، المدرجات التي كانت لتمتلئ عن بكرة أبيها لو كان أحد الفريقين الهلال أو المريخ ، منتخبنا الوطني الذي لا يكترث له أحد من الشعب ولا يكترث لأمره أحد من الحكومة فتري مدربه يعمل بلا مقابل من دافع حبه لوطنه لا أكثر.
أعتقد أن الوقت قد حان لننفض التعصب الذي عشنا فيه لأكثر من عقدين من الزمان ولم يقدم لنا شيئاً بل أصبحت كرتنا تتجه إلى الهاوية وبسرعة البرق.
التعصب لناديي القمة وصل لمراحل مخيفة وباتت مباريتاهما معاً مناسبات من الممكن أن لا تمر مرور الكرام لولا جهود المقدرة لرجال الأمن السوداني في حماية الجماهير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تعلمت عن الحب

إسقط ولكن قف بعدها !

نعم هنالك مشكلة