في الجو


سمعت تلك النغمه المميزه التي تعني أن المضيفة علي وشك أن تتحدث ، أعدت مقعدي الي الوضع القائم وشددت حزام الأمان بأقصي قوتي وانا أبتسم ونفسي تقول لي : حسن لقد صارت الرحلة الأن مؤكده ، بالتأكيد سوف لن نعود ، فالتاجيل يمكن أن يحدث في أي لحظه علي متن الخطوط السودانية ، حتي ولو بدات الطائرة رحلة الأقلاع فهذا لا يعني أنها ستقلع ، وحتي لو أقلعت فهذا لا يعني إطلاقا أنها ستصل.

بدأ صوت المضيفه يصل إلي مسامعي وهي تلقي تعليمات السلامة ، لم أنتبه كثيرا الي ما تقول ، فلقد مللت من تكرار هذه التعليمات في كل رحله . عوضا عن هذا بدأت بالبحث داخل حقيبتي عن كتاب يسليني أثناء الرحله. ولكني إنتبهت فجأة أن صوت المضيفه لم يكن الوحيد الذي يصل الي اذناي ، إذ كان الراكب خلفي مباشرة يخوض في مشادة عنيفة ، وبدا من علو صوته ولهجته أنه غاضب حقا ، أصابني الفضول لمعرفة من يتلقي كل هذا التوبيخ ، ولكن مع إلتفاتتي إنتبهت الي الحقيقه المفزعه ، الأخ لم يسمع بقوانين السلامه الجوية في حياته أو يتحدها بشكل سافر وهو يتحدث في هاتفه والطائرة تسرع علي ممر الإقلاع ، تجاوزت مرحلة الدهشه بسرعه وخطر ببالي أن أنبهه الي ضرورة إغلاق هاتفه ، ولكني لم أجد في نفسي الشجاعه الكافية لذلك عند رويتي لمقدار الغضب في عينيه حتي استحال لونهما الي الأحمر القاني ، والعروق تكاد تنفجر من جبهته ، بدأت بالدعاء أن يتعقل ويغلق الخط فمواصلة الحديث ستعني علي أقل الأحوال تاجيل الرحله وهو الأمر الذي لا أستطيع تحمله مرة أخري إطلاقا . مضت بضع ثوان بدت لي كالدهر ثم أراحني وأغلق السماعه.
إرتخت كل أعصابي مع بدء الطائرة في التحليق وبدأت أعد نفسي لرحلة نوم طويلة تريح جسدي الذي أرهقه الإنتظار ، صرفت النظر عن قراءة الكتاب وقلت لنفسي يمكنه أن ينتظر.
أغمطت عيناي وبدأ عقلي يدخل في مرحلة السبات ، بدأت أفقد الأحساس بما حولي سريعا من شدة الإرهاق ولكن حواسي كلها استيقظت في نفس اللحظه وانا اسمع صوتا قادما من خلفي ، انتفض جسدي في ذعر وانا أقول لنفسي ، لا لا يمكن ولكنه لم يعطيني وقتا كثيرا للتفكير والتحليل وهو يرفع صوته قائلا:
"أي ياخ ،قلت ليك أنحنا هسي فيٌ الجو ".

ملحوظه : أنا مهندس إتصالات ولا أعرف حتي اليوم كيف تمكن من إجراء مكالمه علي هذا الإرتفاع.


تعليقات

  1. ههههه
    صحبك شكلو كان بتكلم بالأقمار الصناعية..
    ^_^

    ردحذف
  2. لا تستغرب هل سمعت عن الطائرة السودانية التي لم تحلق بسبب الوزن الزائد للأمتعة
    وهل سمعت عن سقوط السقف المستعار للطائرة وهي تقلع ..فالله المستعان

    ردحذف

إرسال تعليق

شاركني برأيك

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تعلمت عن الحب

إسقط ولكن قف بعدها !

رسالة إلي معذبتي