آه يا وطن .... خواطر مواطن مقهور - 1 -

الجزء الأول : وطن فخور برجاله


الزمان : الأول من يناير 1956م
المكان : القصر الجمهوري الخرطوم

وجوه باسمة والفرحة لا تسع الجميع ، وردي ينشد اليوم نرفع راية إستقلالنا ، وزغاريد النساء تنطلق هنا وهناك ، الكل يسترجع كلمات إسماعيل الأزهري التي فجرها في البرلمان منذ أيام قليلة "اليوم نعلنها دواية من هذا البرلمان إن السودان حر مستقل بكل حدوده الجغرافية ". العلمين المصري والبريطاني يهبطان في هدوء ، وعلمنا يصعد نحو الأعلي يرفرف ملعنا مولد وطن جديد ، وطن يعرف أهله معني العزة والكرامة ، وطن لم يرضخ أهله للأستعمار يوم واحداً ولم يكد يمر يوم خلال أكثر من ستين عاماً دون أن يعدم ثائر غار علي تراب الوطن.

الزمان : السابع والعشرين من نوفمبر 1928م
المكان : مدينة الخرطوم
وقف عبد الفضيل أمام أهل قريته وأمامه قوته الصغيرة ونساء قريته يطلقن الزغاريد فقال لهم مودعاً "ابشرن بالخير بكرة الطير يأكل ناس".
لم يكن عددهم يتجاوز المائة ولكن قلوبهم كانت قلوب رجال كالأسود أو أشد بأساً ، لم يعجبهم قرار القوات الأنجليزية بطرد المصريين من السودان والأنفراد بالحكم فحملو زخيرتهم وتسلحو بالأيمان وبدأت المعركة ، أو فالنقل الملحمة راحت أعدادهم تتناقص ولكن مع كل رجل يسقط منهم يسقط عشرة أمثاله من قوات الأنجليز ، أصبح فجر الجمعة وقد تفرقو ولكنهم لم يتوقفو عن القتال ولم يفر واحد منهم ، كل من يسكت سلاحه عن إطلاق الرصاص ، فقد إنتقل إلي الرفيق الأعلي.

 أتي الضحي وكان الملازم أول ذو الثمانية والعشرين ربيعاً عبد الفضيل ألماظ يقاتل فلول الأنجليز وحده فلجأ إلي المستشفي العسكري ، وفي مشهد كما لو إستخرج من أفلام هوليود إعتلي سطح المستشفي بمدفع مكسيم أخذه من مخزن المستشفي وراح يمطر قوات الأنجليز بوابل من النيران ، فحصد الأرواح هنا وهناك ، رابط عبد الفضيل ثمان ساعات قتل فيها من قتل ، حتي أمر المأمور الانجليزي بقصف المستشفي بمرضاها وعبد الفضيل فحولوها إلي أنقاض ، وعندما تم نبش الأنقاض تم إيجاد عبد الفضل ممسكاً بمدفعه كما لو كان جسده لا يزال يقاتل رغم فراق روحه له.

الزمان : الخامس من نوفمبر 1883م
المكان : غابة شيكان

لا زال الدم الأنجليزي الأستقراطي البارد داخل أوردة هكس باشا يحميه من أن يصاب بالرعب ، نعم لقد نالت الصحراء من قواته ما نالت ، نعم لقد أضناه التعب وأعياه الحر ولا يظن أن جنوده أحسن منه حالاً ، نعم لقد  خسر الكثير من الرجال بسبب قوات المهدية التي كانت ولا تزال تغير علي رجاله فتقل من تقتل ثم تهرب ، نعم لقد نقص الزاد وأصابه العطش ولكنه لا يزال إنجليزياً ويحمل دماً صافياً يجعله أفضل من هولاء الرعاع.
غربت شمس ذلك اليوم وذاك الدم الصافي لم يعد كذلك وقد إختلط برمال وطن الرعاع.

الزمان : السادس من أبريل 1985م
المكان : السودان

أجهزة الراديو بدأت في نقل البيان رقم واحد لوزير الدفاع الفريق أول عبد الرحمن سوار الذهب وهو يقول :
قال تعالى: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) صدق الله العظيم
أيها المواطنون الشرفاء:
لقد ظلت قواتكم المسلحة تراقب الوضع الأمني المتردي في أنحاء البلاد، وما وصل إليه من أزمة سياسية بالغة التعقيد، وقوات الشعب المسلحة، حقنا للدماء، وحفظا لاستقلال الوطن ووحدة أراضيه، قد قررت، بالإجماع، أن تقف إلى جانب الشعب واختياره، بالاستيلاء على السلطة، وردها له عبر فترة انتقالية محددة.
لهذا نرجو من المواطنين الشرفاء أن يتحلوا باليقظة والوعي التام، وأن يفوتوا الفرصة على كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات هذه البلاد.
لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.

عام واحد مضي وسوار الذهب في السلطة ثم وفي بوعده وسلمها للشعب طواعية في حادثة كتبتها كتب التاريخ في أنصع صفحاتها.

الزمان : الثاني من سبتمبر 1898م
المكان : جبل كرري

بواخر حديثة لم يشاهدو مثلها من قبل ، مدافع رشاشة تحيل السماء إلي نيران لم يحلمو بها في أبشع كوابيسهم ، متسلحين بأيمانهم ، بنادقهم الخفيفة وسيوفهم ، قرروا أن لا يسلموا من غير معركة ، كبروا ثم زحفوا صوب معسكر الأنجليز ، سقط ثمانية عشر ألفاً من الشهداء دون أن يبلغوا معسكر العدو ، جرح ثلاثون ألفاً في مذبحة وليست معركة ، هم رجال خيرو بين الموت والعيش في ذل فقالوا للكرامة نحن رجالك ، وقالوا للشهادة قد أتينا.

الزمان : السادس عشر من مارس 1997م
المكان : الميل أربعين خارج مدينة جوبا

إنهارت الحدود بين السودان وأوغندا وكانت الحركة الشعبية مدعومة بمدرعات ودبابات الجيش الأوغندي تسقط المدينة تلو الأخري والحامية تلو الحامية حتي باتت علي مشارف جوبا ، دخول جوبا يعني وضع الجيش السوداني في وضع حرج للغاية إن لم يكن هزيمة صريحة ، ولكن كيف السبيل للرد مع نقص عتادهم وقوتهم.
عندها إجتمع طلاب أغلبهم من جامعة السودان وأتفقوا علي الشهادة ، ثم حملوا سلاحهم الوحيد قذائف الأر بي جي يقودهم الشهيد علي عبد الفتاح وإلتحموا مع العدوا في الميل أربعين.
كانوا يرابطون في مكانهم لا يبرحونه حتي تقترب الدبابة منهم لمسافة أمتار قلائل ثم يطلقون عليها أسلحتهم فيحيلونها ويحيلون أنفسهم إلي أشلاء ، ثم إنبري (معاوية) وقفز علي سطح أحدي الدبابات ثم فتح سقفها وأطلق مدفعه داخلها ليطير جسده الصغير في الجو ويسقط وتطير روحه إلي السماء.
إنكسرت شوكة القوات الأوغندية وقهر الطلاب الصغار ألاتهم العملاقة فأستحقوا لقب الدبابين وأستحقوا أن ننشد لهم " الدبابين أسود الغابة .. أسود العزة ديل شموخ ومهابة).

الجزء الثاني : مشاهد مائية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تعلمت عن الحب

إسقط ولكن قف بعدها !

رسالة إلي معذبتي