حكاية ثورة 64 ... عندما تعلم الشعب العربي كلمة "لا"


يمر العالم العربي حالياً بفترة التغير ، فلأول مرة منذ سنين عادت له ذاكرته وأنتعشت ، ومن ركن مظلم في عقله تذكر كلمة لا ، تذكر أن لديه المقدرة علي الأعتراض وأن يقول كفي.
ولكن هل تعلمون متي تعلمنا هذه الكلمة لأول مرة ، ومتي صرخنا في وجه جبروت الدكتاتورية وتحديناها ، فنحن لم نتعلم أن نعبر عن أنفسنا ونصل لغاياتنا في القرن الحادي والعشرين بل تعلمنا هذا الدرس مبكراً وفي وقت كانت فيه معظم دول العالم الثالث ترزح تحت الأستعمار كنا نعرف معني الديموقراطية ونطالب بها.


أول ثورة شعبية بالمعني الكامل تقوم بأسقاط نظام حكم هي ثورة الحادي والعشرين من أكتوبر من عام 1964م ، التي خرجت فيها جماهير الشعب السوداني تطالب بأسقاط النظام العسكري الحاكم للفريق إبراهيم عبود ، يومها كان الشعب السوداني قد ضاق زرعاً من أحواله المعيشيه المترديه وحرياته المسلوبه ، يومها خرج الشعب السوداني لأن نظامه كان غير أمين علي أرض الوطن ، وقد خان الأمانة ليس بسرقته للوطن ، بل بتفريطه في واحدة من أعرق مدنه عندما قام بالموافقة علي قيام السد العالي بمصر الذي نتج عنه غرق مدينة حلفا العريقة تحت بحيرة السد الوليدة.

خرج الشعب السوداني مليئاً بالغضب يطالب برحيل النظام الحاكم ، ولكنه لم يقم بالأعتصام بميدان أو بساحة بل توجه مباشرة نحو القصر الرئاسي بالخرطوم ، وحاصره ، فأعلنت الدولة حالة الطوارئي من الدرجه (ج) والتي تتيح لأفراد الجيش المسئولين عن تأمين المنشئات بفتح الرصاص الحي علي كل من يهدد أمن منشئات الدولة ، فأطلق القوات حول القصر الجمهوري رصاصها في الهواء فلم يرهب الجماهير التي حاصرت القصر من جميع جوانبه فقام بعض أفرادها بفتح رشاشاتهم علي الجماهير بعد أن غلبتهم الحيلة فسقط الجرحي هنا وهناك وسقط بينهم شهيد الثورة (أحمد القرشي).


لاحظو أنه كان شهيد الثورة ولم يكونو شهداء ، بل إن مقتل القرشي ظل نقطة سوداء في تاريخ نظام عبود وسال فيه من الحبر ما سال ، فدم الشعب الذي أصبح مستباحاً اليوم كان مقدساً وقتها وكان النظام يفكر ألف مرة قبل الأعتداء علي مدني.
تسلم الفريق عبود مرسوماً موقعاً من المحامين والقضاه يطالبه بتسليم السلطة فوراً وبلا تأخير ، ولم يتأخر عبود كثيراً في التفكير إذ سرعان ما قام بتشكيل حكومة جديدة من الثوار ، وقامت الحكومة بأداء القسم أمام عبود لتكتسب شرعيتها في واحدة من غرائب التاريخ ثم قام عبود بالتنحي عن السلطة.

تنحي عبود عن السلطة دون الحاجة إلي مسيرات مليونية وسقوط مئات القتلي فقد كان صوت الألاف القليلة التي خرجت أكثر من كاف لأقناعه بالتنحي عن كرسي الحكم.
لم يقم الشعب السوداني بملاحقة عبود في القضاء فقد كان الرجل شريفاً نزيها وعاش حياة كريمة كعلم من أعلام الدولة حتي وفاته ، ومن المفارقات أنه بعد تولي الأحزاب السلطة في البلاد بسنتين ، كان عبود متوجهاً إلي السوق لأحضار حاجيات المنزل وعندما قام المواطنين بالتعرف عليه شرعوا في الهتاف له (ضيعناك وضعنا وراك) في إعتراف صريح بالخطأ الذي إرتكبوه بمطالبتهم بتنحي هذا الرجل.
ثورة 64 لم تكن هي الأخيرة فقد عاد الشعب السوداني بثورة أقوي ضد دكتاتورية المشير جعفر نميري عام 1985م في أنتفاظة كبري لم تسكب فيها قطرة دم واحدة في نموزج لما ينبقي أن تكون عليه الثورات السلمية.


تعليقات

إرسال تعليق

شاركني برأيك

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تعلمت عن الحب

إسقط ولكن قف بعدها !

نعم هنالك مشكلة